عوّدتنا تقارير برنامج الأمم المتحدة للإنماء منذ صدور أول تقرير سنة 2002 على الأخبار السيئة، لكن من يقرأ تقرير 2009 يترحّم على ما قرأ لحدّ الآن. قد يكون من المفيد هنا التذكير بالاستنتاجين الرئيسيين لتقارير 2002 و2003 و2004 و2005.
1- كل مؤشرات الإنماء البشري العربي في الأحمر، فالدخل القومي للأمة لا يتجاوز دخل إسبانيا وعدد الأميين عندنا 65 مليون وهو من أرفع النسب في العالم، ومعدّل الحياة أنقص بعشر سنوات منه من المعدل العالمي، ونسبة البطالة التي لا تتجاوز 6% في العالم تصل عندنا إلى 14%. حدّث ولا تسل عن وضعية المرأة والتخلف العلمي وضعف التعليم والنشر وتراجع الثقافة والحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان.
2- تخلف الأمة متفاقم لا فقط بالنسبة للغرب وإنما أيضا بالنسبة للعديد من دول العالم الثالث.
مثلا نسبة الأطفال المصابين بنقص الوزن عند الولادة هو ضعفه في منطقة آسيا الشرقية أو منطقة المحيط الهادي.
أطروحة التقرير الرئيسية أن الأجيال العربية الحالية تعيش حالة غير مسبوقة وغير معروفة عند أغلب المجموعات البشرية الأخرى –باستثناء المجموعة الأفريقية- من انعدام الأمن الفردي والجماعي بما هو حالة نفسية قوامها الطمأنينة وراحة البال وحالة موضوعية تتمثل في توفّر الشروط الدنيا للحياة الكريمة.
هذه الحالة هي نتيجة تجمّع سبع غمامات تزيد من وحشة وظلام أفقنا الذي تعودنا عليه:
1- تفاقم الخطر البيئي: تعدّ الأمة حاليا 375 مليون نسمة –مما يعني أننا ثالث أكبر أمم العالم عددا بعد الصينيين والهنود الذين وجدوا طريقهم- وسنصل عام 2020 إلى 410 ملايين وربما في تقديرات أخرى إلى 459 مليون نسمة.
المأساة أن عربيا من كل خمسة يعيش اليوم بأقل من دولارين في اليوم، فكيف ستكون الحالة مستقبلا في ظل انفجار سكاني يتزامن مع تغيير المناخ واشتداد أزمة المياه الصالحة للشرب وتسارع التصحّر وتلوث البيئة؟
2- تفاقم خطر الدولة: إنه لمن أغرب المفارقات أن الدولة التي تلعب في كل مكان دور حامية الأمن الشخصي والجماعي هي اليوم -حسب هذا التقرير- ثاني مصدر لانعدام الأمن في أرض العرب وذلك لاستيلاء عصابات وعائلات فاسدة على الشرطة والجيش والقضاء واستعمال هذه المؤسسات للحفاظ على أمنها بالاستخدام المفرط للعنف ضد المجتمع المكبل، ناهيك عن استعمال الوسائل الإجرامية من اختطاف وتعذيب وتعد على الحرمات وسرقة الثروات.
3- تفاقم خطر النمو الاقتصادي الضعيف: إن نسبة النمو في العالم 2% لكنها لا تتعدّى 0.5% في الوطن العربي، ومن مضاعفات الأمر ارتفاع نسبة الفقر ونسبة البطالة خاصة بين حاملي الشهادات، ناهيك عن تعمق الفجوة بين الفقراء والأغنياء.. إن مدنا كبرى مثل القاهرة والدار البيضاء والخرطوم بصدد الخروج عن كل سيطرة عمرانية قادرة على توفير المتطلبات الدنيا ووضعها ينذر بما ستكون عليه حالة قد تقودنا إلى فوضى اجتماعية لا فكرة لأحد عنها. الإنذار الأخير من مدينة الجزائر بالغ الدلالة.
4- تفاقم خطر سوء التغذية والجوع: إن نسبة المصابين بسوء التغذية تبلغ اليوم 12%، لكن الأخطر هو أن المنطقة العربية هي الوحيدة مع المنطقة الأفريقية التي يتزايد فيها عدد الجوعى والمعانين من سوء التغذية، وما مظاهرات الجوع التي عرفتها مصر وموريتانيا عام 2008 إلا بداية مسلسل.
5- تفاقم خطر الوضع الصحي: إضافة لأمراض التخلف القديمة، يضيف العالم العربي قائمة جديدة من الأمراض العصرية ومضاعفاتها مثل السرطان والسكري وأمراض الشرايين والبدانة ووباء السيدا (الإيدز)، كل هذا في ظل تساقط النظام الصحي العمومي وعجزه المتفاقم عن الاضطلاع بمهامه الدنيا، مما يعني أنه باستثناء قلة قادرة على الدفع، فإن حق الصحة سيكون شعارا أجوف مثل بقية الحقوق الإنسانية.
6- تفاقم هشاشة المجموعات الضعيفة: نتيجة الحالة الاقتصادية العامة فإن وضعية أكثر الشرائح الاجتماعية هشاشة، مثل النساء والأطفال والمعاقين واللاجئين، ستزداد سوءا خاصة وأن العالم العربي هو اليوم أكثر المناطق نشاطا فيما يخص الاتجار بالبشر.
7- تفاقم خطر الحروب الأهلية والاحتلال الخارجي: ما يجري في العراق وفلسطين والحروب الأهلية التي حصلت في الجزائر ولبنان أو الجارية في السودان والصومال واليمن ليست مظاهر معزولة أو حوادث متفرقة لا يربط بينها رابط. إنها دلالات واضحة على إخفاق نظامنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني في حماية الأمة من الاهتزازات الداخلية ومن العدوان الخارجي. الخطير في الأمر ليس التكلفة الإنسانية الباهظة لهذا القصور الفاضح، أي مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين اللاجئين، وإنما ما تنذر به هذه الحروب. فكل العوامل التي تسببت فيها قائمة بل ومتفاقمة، مما يعني أن مسلسل الاحتلال الخارجي والصراع المسلح الداخلي بكل تبعاته الرهيبة في بدايته لا في نهايته.